الأربعاء، 13 أغسطس 2014

برجس

زارت جارتها في الحي القديم
وجدتها قد شاب شعر رأسها
عيناها غائرتين
شاحبة
تآكلها الحزن 
و أضنا روحها اليأس
بكت بحرقة
و أبكت زائرتها
قالت لها
تذكرت ولدي برجس ..!..
أطرقت الزائرة برأسها
فهذا الحديث الذي تخشاه وتتحاشاه
لاذت بالصمت
بكت أم برجس وتناولت طرف وشاح رأسها تجفف به دموعا حارة لن تنتهي
بكت و أبكت زائرتها التي دفعها الشوق و الحنين الى دار بنيت أركانها على العز والكرم
انعقد لسانها واكتفت بالنظر الى الأم التي لم ولن تنسى فقيدها وقطعة من فؤادها
لاذت بالصمت .. الصمت الذي بات لغتها مؤخراً 
استرسلت الأم وهي تتأمل تفاصيل الجارة التي تزامن رحيلها عن الحي مع رحيل فقيدها
كانت ترتسم على محياها ملامح الحيرة والحزن معا
قالت : أتدرين لماذا تذكريني ببرجس .. لأنه الوحيد الذي كان يوصيني بك
لما علم أنك وحيدة وابنك صغير السن
كان دوما يقول لي : أماه جارتنا ليس لديها معين فإن احتاجت لأي شيء لا تتأخري عنها
انه مختلف عن أخوته الأكبر منه والأصغر منه
كان برجس قد أنهى السنة الجامعية الأولى منذ أيام
ليلة الحادث 
كان يقف بالخارج مع أصحابه
لم يكن بالحسبان أنها الوقفة الأخيرة أمام منزل العز والكرم 
راح شبابه في حادث مفجع
كانت الجارة تجلس في بيتها
زارتها قريبة لها
قالت : أمام بيت جيرانك سيارات كثيرة
ردت عليها : ليس الأمر بغريب على بيت العز و الكرم
أجابت القريبة : لا .. أظنه عزاء !
فالمتواجدون أغلبهم من فئة الشباب وكأن أمرا قد حدث
قفزت الجارة وتناولت الهاتف
اتصلت على إحدى أقاربهم ..
أرادت التأكد
جاءت الصاعقة
فلان توفي في حادث
كان يوصل ابن عمه الى بيتهم
وصدمتهم سيارة عاكسة للسير
ذهبت بعد يومين لتقدم العزاء لجارتها
وجدتها وسط لفيف من البشر
البيت الذي يجمع الخلق كل يوم على الجود والكرم
يجتمع له الخلق اليوم ليواسون الاب والام في مصابهم الجلل
الام جلست لا حول لها ولا قوة وسط النساء
لكن بدون تلك الابتسامة وذاك الترحيب
تقلب بصرها مشدوهة لا تدري هل هو كابوس مريع ام قدر لا مفر منه حل بفلذة كبدها
الوحيد الذي تميز لديها رغم ان الاسرة باكملها مشهود لهم بطيب الاخلاق
مرت سنتين على الحادث الأليم

وكأنها البارحة

اليوم زارت الحي حبا في هذه الجيرة الطيبة الاغلى من الاقارب انفسهم
اليوم .. عادت الزائرة مشحونة بالالم 
تزدحم في مقلتيها دموع لا تدري هل تبكي لحزن جارتها ام لجروحها هي

فالحزن صديقها القديم

عادت واستيقظت فيها الذكريات
ذكريات أليمة استرجعتها بعد عودتها من تلك الزيارة للحي القديم
ما يؤلمها أنها ارتبطت في ذاكرة تلك الجارة بابنها الفقيد
اجتمع الجيران في تلك الليلة لرؤية الزائرة القادمة من زمن رحل
كانت الام تكثر من الخروج من غرفة الاستقبال
لم يشعر أحد بما في جوفها من سعير
شوق لغائب لن يعود
غائب لم ولن تنساه ما عاشت
حين أرادت الجارة الزائرة الانصراف
تمسكت بها الجارة بقوة
تمسكت بها وكانها تمسك تلابيب الزمن ..
كانت نظراتها قاتلة
تقتل في من يرى حزنها كل معنى للحياة
وكأن في عينيها سؤال يبحث عن إجابة
لسان حالها يقول : عادت الجارة الراحلة .. ولم يعد برجس!
-------------

سحقا لصواعق الفقدان

سحقا لكل الأحزان .