السبت، 15 نوفمبر 2014

كيف تصالح نفسك

مقال نشر أول مرة حصريا لصحيفة الشمال أونلاين)

قال الإمام الشافعي رحمه الله  :
لما عفوت ولم أحقد على أحد :: أرحت نفسي من هم العداوات


     لقد خلقنا الله تعالى بشرا ضعيفا ، تحمل نفوسنا مزيجا مختلفا من المشاعر المتفاوتة من خير و شر
لكنه بالمقابل أنزل لنا دستورا يحمل أرقى و أجل نظم الحكم و أساليب التعامل بين البشر
جٌبِلت النفوس على حب كل ما من شأنه جلب المصلحة والمنفعة لها ، وجبلت أيضا على دفع كل ما من شأنه التسبب بضرر أو أذى يلحق بها


هكذا خٌلقِنا ، وهكذا هي نفوسنا ، وكل ما نمر به من انفعالات يومية ليست الا ردود فعل تنطلق من إيماننا بهذه الطبيعة البشرية
جاءت الأديان السماوية بتعاليم إلهية تهذب سلوك هذا المخلوق على هذا الكوكب 
ومع مرور العصور و الأزمنة تكوَّن لدينا خليط من الثقافات المختلفة ليست الا نتاج التجارب الإنسانية.

ومع ذلك نجد أحدهم يحمل أعلى المراتب العلمية ، الا أنه و للأسف لم ينق نفسه من شوائب الكبر والغل وضيق الأفق
ليست المسألة بالشهادات ولا بالمكانة الاجتماعية ، انه سر الناجحين و الخلطة السرية للأقوياء في هذه الحياة
الانتصار على بشريتك والارتقاء نحو الملائكية

انه ليس ضربا من الخيال
جرب ان تهزم أنانيتك
جرب أن تصالح الدنيا بأكملها
إنك حينها تكون قد صالحت نفسك 
ستقبل على الحياة بكل قوتك
التسامح مفتاح الراحة النفسية
قد يقول أحدكم فلان لا يستحق أو هو بدأ بالخطأ
يجب أن يكون أفقك رحبا حتى تصل مرحلة الاحسان
وما يمنعنا أن نكون من المحسنين
وما يمنعنا أن نصنع لأنفسنا السلام
نعم .. عدت الى المنطلق نفسه .. مصلحتنا .. أليس من مصلحتي أن أعيش مع أهل بيتي بهدوء و رضا .. 
أليس من مصلحتي أن أذهب الى عملي بكل حب للمكان و الزملاء وحتى الرؤساء فينعكس ذلك على أدائي و انتاج مؤسستي ..
أليس من مصلحة كل من الزوجين أن يكون نصفه الآخر في وئام مع أهله ، الزوج مع أهل زوجته و العكس صحيح .. 
نحن بأيدينا أن نحول عالمنا إلى واحة غنّاء تغرد بها أطيار المحبة 
و بأيدينا أيضا نحولها الى غابة شوك مظلمة
إنها عقولنا توجهنا كيف تشاء و قناعاتنا تذهب بنا حيث تشاء .. 
ولكن الى متى ؟؟ 
إلى متى نظل في صراعات و حروب تعصف بنا و تكدر صفونا و تعكر أجواءنا .. وتحد من تقدمنا ونجاحنا ..؟!
يقول عز من قائل في كتابه الكريم :  (( خذ العفو وامر بالعرف و أعرض عن الجاهلين )) 
وفي موضع آخر (( و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس )) 
فالعفو أن تسقط حقك عن إخوانك مع قدرتك على الانتقام والقصاص لكنك توثر العفو و لا تبقي في النفس أثراً لضغينة أو حقد 
و الصفح في عدم العتاب و الغفر بالستر وعدم ذكره عند الناس
يقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ((وللرجال عليهن درجة )) المراد بالدرجة هي الاغضاء وتفويت التقصير والتجاوز عن الزوجة
و التسامح كرم من المتسامح  على المخطئ في حقه و قد جاء عن الحسن رضي الله عنه قوله : (( ما استوفى كريم قط )) أي ما دقق و بحث عن حقه فقد تصدق بعرضه على المسيء
مرحلة التسامح ..
المرحلة الصعبة على الكثيرين بل تكاد تكون كالصخرة الجاثمة على الصدر
نصل الى هذه المرحلة الراقية بمجرد أن تتشجع وتقدم على الخطوة الأولى وهي الابتسامة في وجه من بيننا وبينه خلاف أو سوء فهم
الخطوة الثانية هي السلام عليه وتفقد أحواله بنفس هادئة راضية واثقة بأن هذا الفعل هو أقل ما يجب أن يقدمه مسلم لأخيه ناهيك عن صلة القربى أو حق الزمالة  والاخوة في الانسانية
 الخطوة الثالثة
في عدم ذكر ما صدر منه في حقك فالنفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف هو التسامح
وقد ذكر العلماء كيف أن التسامح يحسن من تدفق الدم في الجسم مما يساعد على الوقاية من أمراض القلب
و المتسامح يزيد عزة في الدنيا و أجرا عظيما في الآخرة
فقد جاء في الحديث: (ثلاث أقسم عليهن، ما نقص مال من صدقة، وما زاد اللّه عبداً بعفو إلا عزاً، ومن تواضع للّه رفعه اللّه)
لنبدأ الصلح مع أنفسنا مع أهل بيتنا زوجا و ولدا مع الخدم مع الأقارب مع الجيران مع الزملاء و الرؤساء
ان تسامحنا ليس نقصا وان ظن الآخر انك تنتظر منه مصلحة فيكفيك أن الله جل جلاله يعلم وهو من بيده كل شيء

لكل داء دواء و التسامح دواء ناجع للنفس
وكما أن الوقاية خير من العلاج
فإن حسن الظن بالناس هو الوقاية من الوقوع في شرك الخلافات و النزاعات صغرت أو كبرت
لننشر عدوى التسامح فإنك حين سامحت فلانا قد زرعت الخير في نفسه و دون أن تدري جعلته يحتضن و يسامح الكثيرين.
الى أن نلتقي مجددا .. أبقوا هذه القلوب الطيبة نابضة بالحب،،
 
المهاجرة
2014/10/11

http://shmalonline.com/?p=770932