السبت، 16 فبراير 2013

قصة قصيرة ( نورة )






حازت على المركز الأول
في جائزة جامعة الحدود الشمالية للكتابات الأدبية
تحت رعاية قسم اللغة العربية للعام 1434هجرية



الإهداء / إلى أعضاء منتدى عنزة الوائلية

وكل من منحني في هذا المنبر الحب والاحترام والدعم المعنوي








انت ما تذكرني
لكن أنا
.. مانسيتك
وحشتني ليه مدري
أشتاق لك دايما
تعبت أبفهم شعوري
شيء أقوى مني
شيء ماهو بيدي
أحس اني وغصب عني أحن لك
أحس انك قريب مني رغم بعد المسافة
وش السبب
.......... عجزت أعرف

تفتقد ابن الجيران (منصور) تفتقده بشده
لاشيء يربطها به سوى معرفة سطحية جدا
احتفظت برقم هاتفه الذي وصل لها بالصدفة حين اتصلت جارتهم أم منصور من هاتفها
كتبت له هذه الرسالة على الهاتف
الرسالة التي لا عنوان لها
ثم مسحتها بسرعة
مسحتها بخوف
مسحتها وهي تنهر نفسها عن التهور في الانسياق خلف أفكار لا تعرف كيف تصنفها
أ هي هوىً أم هذيانٌ أم واقعُ تهرب منه
انتابها شعور بالكبت بعد أن ظنت أن كتابة تلك الرسالة التائهة ستخفف عنها
لكنها ازدادت حسرة حين مسحتها
فاغرورقت عيناها بالدموع
حاولت حبسها
أشاحت بوجهها نحو زجاج النافذة حين ترجل (الأسطى دسوقي) ليجلب لهما طعام الإفطار
راحت تراقب الصنايعية والبنائين والماره يتوافدون على كشك الطعمية والفول
نظر اليها فجأة العجوز من خلف المنضدة ، نظر وكأنه يقرأ الحزن في عينين ذابلتين
كان رجلا سميناً يلف رأسه بمنديل مربوط من خلف أذنيه الى قمة رأسه ، انحسر عن جبهة عريضة ، و وجه مشرئب بحمرة ، مكتنز الأوداج ، ذو شارب كث ، أمال رأسه على كتفه الأيسر و هو يسكب الإدام بطمأنينة المثابر الذي نال منه التعب على مر السنين ، أمام الكشك في ظلال بيوت الحارة العتيقة عصافير صغيرة اعتادت أن تراها كل صباح تقفز قفزات قريبة الى الأرض بشكل يثير الشاعرية ، تُرى هل تقتات على فُتات الخبز أم هناك من يرمي لها الحَب من الرواشن والمشربيات ، سبحان من تكفل بها ، سقطت دمعتها ، كانت سريعة التأثر ، رقيقة القلب ، رومنسية و قريبة الدمعة ، بل إنها مثقلة بضغوط الاغتراب والوحدة والشوق الى الأهل و افتقاد الحب
حاولت أن تفهم سبب هذا الاهتمام بشخص بعيد كل البعد عنها ، شخصٌ لم يدر ذكرها بخلده يوما ً ، عاد (عم دسوقي) يحمل كيساً تفوح منه رائحة العيش البلدي في صباح يوم من أيام فصل ذاك الشتاء القاسي في بلدة عتيقة تحتضن حضارات الماضي و الحاضر جنبا الى جنب ، وما إن انطلقت بها السيارة حتى عادت تدوّن في هاتفها من جديد ما تجده من مشاعر الحنين والوحدة والخوف الذي يلازمها رغم توجه كل الظروف الى إسعادها لكن حزناً ما اختبأ بين جنباتها حزناً رهيباً تجهل أسبابه ، و حَيْرةً تتمنى لو تنتهي في أسرع وقت ...
نوره ! نمتي ؟
فجأة تسلل الى مسامعها صوت زميلتها وهي توقظها
وما ان انتبهت نورة وفتحت عينيها مبتسمة حتى تعرضت لطلق ناري قريب اخترق الباب الذي من جهتها رصاصة استقرت في ذلك القلب الرقيق
لقد مرت السيارة بالقرب من مظاهرات شعبية في ميدان التحرير
لم تهتم نورة بالسياسة يوما ، كانت كتلة من المشاعر الرقيقة

نورة .. كانت طالبة مغتربة في القاهرة ، تشاركها زميلتها البحرينية (مريم) في السكن خارج سور الجامعة في غرفة فوق سطوح أحد المباني القديمة التي تملكها ( طنط استر (خواجاية يونانية) عجوز نصرانية طيبة المعشر ، أمضت نورة زمنا وهي بعيدة عن أسرتها رغبة في إتمام دراسة الأدب الانجليزي ، خلفت وراءها قصة حب من طرف واحد حب صامت لم يتعدى دفتر خواطرها .
كانت قد تلقت في مساء الليلة الماضية قبل مصرعها اتصالا من أسرتها في جدة تخبرها أن ابن عمها قد خطبها و هم ينتظرون عودتها بفارغ الصبر لإتمام مراسم الزفاف في عطلة الصيف المقبل كانت ستعود لتفرح قلب والدتها وهي تحمل شهادة التخرج وتحمل أشياء أخرى في ذاك القلب الذي دفن فيه حب يتيم حب تائه لا مستقبل له ، لكنها استيقظت والدموع تبلل وجهها ثم فارقت الحياة ، الحياة التي لم تنصف قلبها اليافع .



قصة قصيرة جدًا
الزمان: يناير 2011
المكان: أحياء القاهرة
الشخصيات حسب الظهور :
(نورة ، منصور ، مريم ، العم دسوقي ، بائع الفول ، طانط استر ، أم نورة ، أم منصور )


بقلم : المهاجرة
ظهر الأربعاء الثالث من ربيع الثاني 1434هـ
12:22 p.m

الأربعاء، 6 فبراير 2013

ألم هاجرة


 



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
دخل فجأة فرآها تجلس بين أخواته ، شهق ونطق اسمها لا شعورياً وتراجع خطوتين إلى الخلف واضعا يده على فمه
عاد و كان لسانه يلقي سلاما عابرا وعيناه تحكي قصة فقد بات قديما
وهي اختزلت كل مشاعرها العظيمة في ابتسامة وسلام
حاولا قدر الامكان أن يبدوان طبيعيان حتى لا يساء فهم تعابير الفقد التي ارتسمت عن أول لقاء بعد ربع قرن من الغياب
منذ كانا طفلين هي تكبره بعامين لكنه شديد التعلق بها كان يفضل اللعب معها على الأولاد وهي تفضل صحبته عن البنات .. !!
حضرت زواجه وانهمرت دموعها وانفطر قلبها فرحا وقهرا من كونها في عرسه واحد من الناس وهي التي كانت وهو الذي كان ..
ما اتكلم عنه ليس عشقا ولا هياما ولا غراما .. انه المحبة الطاهرة الأخوة وبلهجتنا المحلية ( الغلا على وضح النقا )
الكل لاحظ ردة فعله وهي كانت ماهرة جدا في اخفاء مدى شوقها له خوفا من سوء الفهم
كان أكثر من أخ كان صديق الطفولة كانت اهتماماتهما مشتركة في زمن حياة بسيطة فطرية
عاشا معا كل يوم وكل لحظة كل اشراقة شمس تجمعهما مع البقية فليسا الا ثنائيا من مجموعة
كانا يصنعان الفرح لمن حولهما
كانا يخترعان لكل يوم لعبة
الوقت لا أهمية له مادام الجميع منشغلين
الجو مشمس غائم ماطر عاصف لا تأثير له عليهم
لم يخطر في بال اي منهم أن القدر يخبئ لهم فراقا يصل الى ربع قرن من الزمان
لقد كان كل منهم يستيقظ على تفاصيل وجه الاخر ويحفظه عن ظهر قلب
لم يستوعب أن رفيقة الدرب ستغيبها كف القدر أبعد مما يخطر بالبال
كانت صدمة مؤلمة تركت جرحا يصعب البوح به
فالمجتمع قاسي لايعترف بألفة ولد لبنت
كثيرون في مجتمعنا عاشوا أجمل طفولة حرة كطهر الماء
لكن التقاليد خنقتهم حولتهم من أطفال سعداء الى مراهقين مقموعين ثم جزءا من حياةلم يتمنوها مسيرين لا مخيرين
يا الله كم هو موجع أن ترى بعد ربع قرن أقرب وأحب صديق شاركك سنين عمرك الاولى
لكن تراه كالغريب لا تجرؤ حتى على تفقد أحواله !
لو أزاح الزمن ثقله وتناسينا ما جرى لنا وتوقفنا عند من كنا وماذا كنا لانهال كل منا على الاخر بهل تذكر وهل تذكرين وأرأيت كيف هو فعل السنين’

هي .. أغلقت عينيها سافرت للماضي تتأمل ملامح طفل ذو خدود وردية وعينان براقتين وشعر مفلفل .. آه كظمتها ..
إلى أين ذهب صديقي بل أخي و قطعة مني ؟ .. هل بقي من تلك الروح الجميلة شيء .. بقي منه مثل مابقي مني .. ذكريات زمن جميل لن يعود .